صفات احباب الله وكيف أكون من احباب الله
إن محبة الله غاية كل مسلم وأن يحبنا الله تعالى لنا ولنفسه, أما حبه إيانا لنفسه فهو قوله تعالى ) وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون ( خلق سبحانه
الخلق ليسبحوه فنَطٌقهم بالتسبيح له والثناء عليه والسجود له , وان احب الله العبد تحقق له السعادة والتوفيق فى الدنيا والآخرة , ووهبه الحكمة والبصيرة وادخله فى رحمته الواسعة.
, من الأمور التي لا
توافق أغراضنا ولا تلائم طباعنا , وعرفنا بمصالحنا دنيا وأخره , ثم رزقنا وأنعم
علينا وأقام الدليل علينا على أن كل نعمة نتقلب فيها إنما ذلك من خلقه وما أوجد
النعم إلا من أجلنا ثم إنه بعد هذا الإحسان التام لم نشكره , وقد علمنا أنه لا
محسن إلا الله ، فمن إحسانه أن بعث إلينا رسولاً من عنده معلماً ومؤدباً فشرع لن
الطريق الموصل إلى سعادتنا ، وحذرنا من الأمور المردية واجتناب سفاسف الأخلاق
ومذامها ، وقذف في قلوبنا نور الإيمان وحببه إلينا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان
، فأمنا وصدقنا ، ثم مَنّ علينا بالتوفيق ، فاستعملنا في محابه ومراضيه ، فعلمنا
أنه لولا ما أحبنا ما كان شيء من هذا كله.
من هم احباب الله فى الارض:
حبه سبحانه
للتوابين:
التواب صفته ومن
أسمائه تعالى ، يقول عز وجل ) إن الله هو التواب
(فما أحب إلا اسمه وصفته ، وأحب العبد لاتصافه بها ، ولكن
إذا اتصف بها على حد ما أضافها الحق إليه ، وذلك أن الحق يرجع على عبده في كل حال
، يكو ن العبد عليه مما يبعده من الله ، وهو المسمى ذنباً ومعصية ومخالفة ، فإذا
أقيم العبد في حق من أساء إليه من أمثاله وأشكاله ، فرجع عليه بالإحسان إليه
والتجاوز عن إسأته ، فذلك هو التواب ، فإن كنت من التوابين على من أساء في حقك ،
كان الله تواباً عليك فيما أسأت من حقه ، فرجع عليك يالإحسان.
حبه سبحانه
للمتطهرين:
قال تعالى ) ويحب المتطهرين ( فالتطهير صفة
تقديس وتنزيه ، وهي صفته تعالى ، وتطهير العبد هو أن يميط عن نفسه كل أذى لا يليق
به أن يُرى فيه ، وإن كان محموداً بالنسبه إلى غيره ، وهو مذموم شرعاً بالنسبه
إليه فإذا طهر نفسه من ذلك أحبه الله تعالى ، كالكبرياء والجبروت والتفخر والخيلاء
والعجب ، وكل إنسان يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات ، وأن قرصة البرغوث
تؤلمه ، ويفتقر إلى كسيرة خبز يدفع بها عن نفسه ألم الجوع ، فمن صفته هذه كل يوم
وليله ، كيف يصح أن يكون في قلبه كبرياء وجبروت ، فمن طهر ذاته على أن تٌرى عليه
هذه الصفات في غير مواطنها ، فهو متطهر ويحبه الله ، كما نفى محبته عن كل مختال
فخور ، فإنه لا يظهر بهذه الصفة إلا من هو جاهل ، فما أبغضه الله ولم يحبه إلا
لجهله ، فالمتطهر من مثل هذه الصفات محبوب لله.
حبه سبحانه
للمطهرين:
وهو قوله تعالى
: )
والله يحب المطهرين (
وهم الذين طهروا غيرهم كما طهروا نفوسهم ، فتعدت طهارتهم إلى غيرهم ، فقاموا فيها
مقام الحق نيابة عنه ، فإنه المطَهّر على الحقيقة والحافظ والعاصم والواقي والغافر
، فمن منع نفسه ونفس غيره من المعصي’ ، فقد عصمها وحفظها وسترها ، ويكون محبوب عند
الله مخصوص بعنايته وولايته ، والولاة الخلفاء من المقربين ممن استخلفهم عليهم ،
لأنهم في موضع مقصور على من استخلفهم دون غيرهم ، وكل إنسان والٍ على جوارحه فما
فوق ذلك.
حبه سبحانه
للصابرين:
وهو قوله تعالى
: )والله يحب الصابرين ( وهم الذين ابتلاهم الله ، فحبسوا
نفوسهم عن الشكوى إلى غيره الله الذي أنزل بهم هذا البلاء ، )وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا ( عن حمله ، لأنهم
حملوه بالله وإن شق عليهم ، لابد من ذلك ، وإن لم يشق عليهم فليس ببلاء ، )
وما استكانوا (لغير الله في إزالته ، ولجؤوا إلى الله في إزالته ، كما
قال العبد الصالح )مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( فرفع الشكوى إليه
لا إلى غيره ، فأثنى الله عليه بأنه وجده )صابراً نعم العبد إنه أواب ( مع هذه الشكوى ،
فدل أن الصابر يشكو إلى الله لا إلى غيره ، فمن يفعل ذلك كان من الصابرين وهو
محبوب الله.
حبه سبحانه
للشاكرين:
وصف الحق نفسه
في كتابه أنه )يحب الشاكرين ( والشكر لا يكون إلا على النعم ، لا على البلاء كما يزعم بعضهم ممن لا علم له
بالحقائق ، لأنه تعالى أبطن نعمته في نقمته ، ونقمته فى نعمته فالتبس على من لا
علم له بحقائق الأمور فتخيل أنه يشكر على البلاء وليس بصحيح ، كشارب الدواء
المكروه وهو من جملة البلاء ، وهو المرض الذي لأجله استعمله ، فالألم هو عدو هذا
الدواء ، إياه يطلب ، ولكن لما قام البلاء بهذا المحل الواجد للألم ، فإذا شكر
الله على ما في هذا المكروه من النعمة الباطنة ، زاده نعمة أخرى ، وهي العافية
وإزالة المرض ، ولذلك قال: ) لئن شكرتم لأزيدنكم (
فزاده العافية.
والشكر يطلب
المزيد ، فطلب من عباده سبحانه بشكره أن يزيدوه ، فزاده في العمل ، وهو قوله ( أفلا أكون
عبداً شكوراً ) فزاد في العبادة لشكر الله ، فزاد الحق في الهداية والتوفيق في
موطن الأعمال ، فاشحذ فؤادك واعلم أن الله شاكر عليم.
حبه سبحانه
للمحسنين:
وهو قوله تعالى )
والله يحب المحسنين (
والإحسان صفته ، وهو المحسن فصفته أحب وهي الظاهرة في نفسه ، والإحسان الذي به
يسمى العبد محسناً هو أن يعبد الله كأنه يراه ، وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده
في حركاتهم وتصرفاتهم ، وهو قوله ) إنه على كل شيء شهيد( ) وهو
معكم أينما كنتم ( فشهوده لكل شيء
هو إحسانه ، فكل حال يتنقل فيه العبد فهو إحسان الله ، إذ هو الذي نقله تعالى ،
ولهذا سمي الإنعام إحساناً ، فإنه لا ينعم عليك بالقصد إلا من يعلمك ، ومن كان
علمه عين رؤيته فهو محسن على الدوام ، فإنه يراك على الدوام لأنه يعلمك دائماً ، وقد
قال ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، أي أحضر في نفسك أنه يراك ، تعلم أن معبودك
يراك من حيث لا تراه ويسمعك ، وقوله ( وجُعِلت قرة
عيني في الصلاة ) أراد رؤية من ناجاه فيها ، فإذا رآه قرت عينه بما
رآه .
حبه سبحانه
للمقاتلين في سبيل الله بوصف خاص:
قال تعالى )
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ( يريد أن لا يدخله خلل ، فإن الخلل
في الصفوف طرق الشياطين ، والطريق واحدة وهي سبيل الله ، وإذا قطع هذا الخط الظاهر
من النقط ولم يتراص ، لم يظهر وجود للخط ، والمقصود وجود الخط ، وهذا معنى الرص
لوجود سبيل الله ، وكذلك صفوف المصلين ، لا تكون في سبيل الله حتى تتصل وتتراص
فيها ، وحينئذ يظهر سبيل الله في عينه ، فمن لم يفعل وأدخل الخلل ، كان ممن سعى في
قطع سبيل الله وإزالته من الوجود.
وكذا الإنسان
وحده ، هو صف في كل ما هو فيه متحرك ، فتكون حركاته كلها لله ، لا يتخللها شيء لغير الله ، فلا يقاومه أحد ، فإن
الأعداء أبصارهم إليه محدقة ، ينظرون في حركاته وأفعاله ، عسى يجدون خللاً يدخلون
عليه منه ، فيقطعون بينه وبين الله بقطع سبيل الله.
الاتباع لرسول
الله فيما شرع:
قال تعالى: )
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (
أي تزينوا بزينتي يحببكم الله ، فإن الله يحب الجمال ، فتزين تارة بنعتك من
ذل وافتقار ، وخشوع وخضوع ، وسجود وركوع ، وتارة بنعته عز وجل من كرم ولطف ورأفة ،
وتجاوز وعفو وصفح ، ومغفرة وغير ذلك ، مما هو لله من زينة الله التي ما حرمها الله
على عباده ، فإذا كنت بهذه المثابة أحبك الله.
واعلم أن لله
محبتين أو تعلقين ، محبته لعباده الذي هو خصوص إرادة ، التعلق الأول حبه إياهم
ابتداء ، بذلك الحب وفقهم للتباع ، اتباع رسله سلام الله على جميعهم ، ثم انتج لهم
ذلك الاتباع تعلقين من المحبة ، لأن الاتباع وقع من طريقين : من جهة أداء الفرائض
، والتعلق الأخر من جهة ملازمة النوافل ، قال رسول الله فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال
الحديث وفيه ( وما تقرب إلىّ عبدي بشيء أحب إلىّ من أداء ما افترضته عليه ، ولا
يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعاً وبصراً ويداً
ومؤيداً ) وإذا كان الحق سمع العبد وقواه في النوافل ، فكيف بالحب الذي يكون من
الحق له بأداء الفرائض.