الثعلب الماكر
في احدى الغابات الكثيفة كان هنالك واد كبير فيه المرعى والمأكل والمشرب وكانت تعيش فيه حيوانات كثيرة في امن وأمان وكان يحكم الواد ذئب شرس وقوي يهابه الجميع ولا يجرأ احد من الحيوانات على عصيانه او مخالفة امره .
كان الذئب قد بسط نفوذه و نظّم معيشة الحيوانات في الوادي وفرض قوانين صارمة حتى يحقق العدالة والمساواة بين الجميع.
اذ لا يحق لاحد من الحيوانات الضارية الصيد الا بعد موافقة الذئب وكان الصيد يخضع لشروط فهو لا يكون الا في جماعة ويجب ان يكون خارج الواد ، وعند جلب الفرائس يتم اقتسامها مع بقية الحيوانات وخاصة العاجزة منها التي لا تستطيع الصيد والمطاردة.
لا احد يدخل الوادي الا وقد امن مكر بقية الحيوانات ، واخذ نصيبا من العدل ، فسطوة الذئب جعلته يحكم الوادي بقبضة حديدية .
كان الذئب يحب الطاووس وينصت دائما لرأيه وحكمته فهو مبجل عند الذئب ودائما ما يستشيره في امر الوادي وشؤونه وكلما اراد الذئب حل مشكلة استعصت عليه إلا ودعا الطاووس وسمع منه .
في يوم من الايام كان الطاووس كعادته يتجول في الوادي الخصب فلاحظ ان جمع من الثعالب تصطاد الارانب دون اذن من الذئب فذهب بالوشاية الى سيد الوادي واخبره بفعلة الثعالب وانهم يعيثون في الوادي خرابا وفسادا ويثيرون الرعب في قلوب الحيوانات الامنة.
وبعد التشاور اقترح عليه الطاووس ان يطرد كل الثعالب من الوادي خاصة انهم لا يريدون الامتثال لحكم الذئب وإنهم كثيرو الضجيج والجلبة ويثيرون المشاكل بشكل دائم .
غضب الذئب كثيرا وأمر بان تُطرد الثعالب المزعجة من ارض الوادي الخصب فانتشر الخبر في كل الارجاء وسمعت الثعالب بالامر وعرفوا ان الطاووس هو صاحب الفكرة فاجتمعوا وقرروا التخلص منه وتزعمهم ثعلب ماكر.
فقال لهم : اسمعتم ما سمعت ؟
فردوا عليه قائلين: نعم انه امر خطير ، وسيصيبنا الجوع ونموت اذا هجرنا هذا المكان.
فقال: من منكم اذن يقتل الطاووس ويريحنا منه ؟، فهو سبب كل مصائبنا
قالوا: ومن يستطيع قتل الطاووس وهو مقرب من الذئب
قال لهم : اما تفعلوا واما تسبب في طردكم والنيل منكم
قالوا له خائفين : نحن نخاف الذئب ان يقتلنا او يشردنا
قال لهم : من يقتل الطاووس نوليه امر الثعالب
قالوا له: هيا اقتله انت ونحن نوليك امرنا وحكمنا
خاف الثعلب ثم تمالك نفسه ورد عليهم : حسنا، انا اتيكم بلحمه وريشه اليوم قبل غد
ذهب الثعلب يترصد الطاووس في الارجاء، سأل عنه فقيل له انه كعادته قرب الوادي ، اقتفى اثره حتى وجده جالسا بين الاشجار على حافة المياه الجارية ، لم يتثبت من وجود احد عنده، فقاده غبائه الى حتفه وارتمى على الطاووس يريد افتراسه فتفاجئ بوجود الذئب قرب الطاووس ، غير انه رغم شدة رعبه لم يطلق الطاووس من بين انيابه بل وقد عرف انه هالك لا ما حال اصر على اكل الطاووس فاخذه بين انيابه وهم بالهروب وسط الغابة فالتحق به الذئب وامسك به من ذيله واخذ يلطمه وينكل به ، ثم اخذ الذئب بذيل الثعلب وراح يجره، لبرهة استفاق الثعلب وانتفض وهم بالهروب حتى انقطع ذيله فهرب وشق في الغابة طريقا نحو المجهول واخذ الطاووس بين فكيه.
وبعد ان شبع الثعلب الماكر من لحم الطاووس تذكر ان الذئب سيمسكه عاجلا ام اجلا وان ذيله المقطوع سيدل عليه وسوف تشي به حيوانات الغابة ويكشف امره ، فاخذ يفكر في حيلة لينجو بنفسه من هذه الورطة ، ثم خطرت بذهنه فكرة ماكرة.
اتجه نحو المكان الذي تجتمع فيه الثعالب وارتمى في الماء وتظاهر بالغرق واخذ يصرخ وينادي: النجدة ، النجدة ، انقذوني سأغرق ...
فهرعت الثعالب كلها تتسابق نحو الوادي لينظروا من المستغيث واذ به الثعلب وقد شارف على الموت غرقا فقالوا له: كيف سننقذك ايها المسكين ؟
رد الماكر عليهم : سأموت ارجوكم اسرعوا بانقاذي
نظروا الى بعضهم يتسائلون : كيف سننقذه؟
حينها قال لهم الثعلب بخبث : اربطوا ذيولكم ببعضها أوّلُكم
يمد لي ذيله اتمسك به و اخركم
يمسك بأغصان الشجر ثم اسحبوا، هيا اسرعوا قبل ان يجرفني الماء...
انطلت الحيلة، بل اعجبتهم وابهرهم بفطنته وراحوا يربطون ذيولهم ببعضها حتى وصل ذيل اولهم الى الثعلب فتشبث به ، وصرخ بأعلى صوته : ايها الثعالب ان الذئب قادم اليكم هيا اهربوا
وبمجرد ان سمعوا اسم الذئب حتى انطلقوا مذعورين وقد هموا بالهرب ونسوا ان ذيولهم مربوطة ببعضها ، ومن شدة الخوف والجزع انقطعت ذيول الثعالب وتناثرت في النهر ، وانفجر الثعلب الماكر ضاحكا ، فجميع الثعالب قد اصبحت مقطوعة الذيل انى للذئب ان يعرف من قتل الطاووس الان؟
في الطرف الاخر من الوادي كان الذئب حزينا جدا وبعد ان قفل عائدا ، نادى في جميع الحيوانات ان تجمعوا اريد بكم امرا خطيرا .
اعلمهم بما وقع وان الطاووس قد اكله الثعلب الماكر ذيله مقطوع وامر بالبحث عنه في كل الارض ، واي ثعلب ذيله مقطوع يجلبوه حيا كان او ميتا خرجت كل الذئاب تبحث عن الثعلب صاحب الذيل المقطوع .
في الصباح عادوا حاملين معهم قطيعا من الثعالب كلها بلا ذيول ، صدم الذئب الحاكم للوادي صدمة شديدة فمعرفة قاتل الطاووس من بين كل هذه الثعالب امر مستحيل .
فأمر بجمع الحيوانات لاستشارتهم عساهم يشيرون عليه بفكرة ما او يجدون لمشكلته حلا وبعد اخذ ورد اقترح عليه مساعدوه حلا جهنميا .
قال كبير المساعدين: يا سيد الغابة نحن باذن الله نعرف الحل
قال الذئب : هات ما عندك يا كبير المساعدين.. ماهو الحل؟ كيف ساعرف من اكل الطاووس المسكين؟
رد كبير المساعدين قائلا: مرهم ان يتقيئوا ما اكلوه اليوم وان كان من اكل الطاووس معهم فسوف نجد لحمه في قيئ احد هذه الثعالب...
رد الذئب: فكرة عبقرية ... هيا اصطفوا ايتها الثعالب حالا الان نعرف من منكم اكل طاووسنا المسكين...
احس الثعلب الماكر بقلبه ينقبض خاف خوفا شديدا .. هل سينكشف امره ويلقى عقابه الاليم ؟
نظر الماكر حوله فوجد بجانبه ثعلبا شيخا وقد اصيبت احدى عيناه بالعمى فكان لا يبصر جيدا ، اغتنم الثعلب الفرصة وراودته فكرة ان يسحب قيئ الثعلب الاعور امامه ويضع مكانه قيئه ... فرح الثعلب بالحيلة الماكرة وترصد غفلة من الحاضرين حتى يقترف جريمة اخرى.
وعندما امر الذئب بان يقيئ الثعالب ما اكلوه في الصحون التي وضعت امامهم بدات الثعالب في تنفيذ الامر.
واذ بالثعلب الماكر يقيئ لحم الطاووس امامه وقبل ان يلاحظ الذئب ذلك سحب الثعلب صحن المسكين الاعور من امامه دون ان يراه احد وناوله صحنه المليئ بلحم الطاووس .
وبعد ان انهت الثعالب ما امرت به، بدا الذئب يعاين ما تقياه الثعالب حتى وصل الى اخر الثعالب وهو الثعلب الاعور المسكين في اخر طرف من الصف والذي كان بالكاد يرى من حوله ، وكانت الصدمة وصرخ الذئب قائلا : يا الاهي ... هل انت ايها الاعور من اكل الطاووس ؟
رد عليه المسكين : لا لم افعل انا بالكاد اراك ايها الذئب
فقال الذئب : لكن الطاووس موجود في صحنك وهذا ريشه
قال الاعور المسكين : لا يا سيدي انا لم اكل شيئا منذ ثلاثة ايام انا اكاد اموت جوعا.
نظر الذئب الى الثعلب الوحيد الذي بجانب الثعلب الاعور فوجد في صحنه قليل من الماء لا غير، حينها دب في نفس الذئب شك كبير وقال في نفسه انها الحيلة اذن ...
وصرخ صرخة دوت لها اركان الغابة ثم قال : اقبضوا على هذا المحتال انه هو من اكل الطاووس واثار الفتن واضمر الشر الى هذه الغابة الامنة ...
حينها سقط الثعلب مغشيا عليه بعد ان عرف ان كل حيله ذهبت سدى وانه سينال عقابه الاليم .
ومنذ ذلك اليوم والغابة تنعم بالامن والامان بعد ان عفى الذئب على بقية الثعالب واخذ منهم ميثاقا بان لا يفسدوا ولا يثيروا الهرج والمرج في الوادي الخصب وان يخضعوا لحكمه ، اما الثعلب الماكر فقد سجن ولن يرى النور ابدا حتى ينال العقاب الذي يستحقه .
0تعليقات